إن "تاريخ الأقطار العربية الحديث" هو طبعة صدرت بعد وفاة المؤرخ المستعرب فلاديمير بوريسوفيتش لوتسكي (1906-1962) الذي هو أكبر اختصاصي سوفييتي في مجال تاريخ البلاد العربية الحديث والمعاصر. وإن نتاج لوتسكى هذا هو أول تجربة في الأدب الروسي والسوفيتي تستعرض بصورة منتظمة تاريخ العرب في العصر الحديث (القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين). ومنذ الثلاثينيات شرع لتونسكى في تدوين تاريخ الأقطار العربية الحديث والمعاصر كفرع مستقل قائم بذاته. وكان من العلماء الذين ينكبون على عملهم ويهبون أنفسهم له ويسيرون بجرأة في سبل غير مطروقة من ذى قبل. وهو يعتبر بحق مؤسس المدرسة السوفييتية للمؤرخين المستعربين. ففي نتاجاته ومحاضراته الجامعية قدم تأريخ الأقطار العربية الحديث لأول مرة كمادة بحث مستقلة قائمة بذاتها. وقد كتب لوتسكى مؤلفة هذا منطلقاً من مواقع وجهة النظر الماركسية اللينينة. إنه انطلق من رغبته في رؤية التاريخ الحديث للبلاد العربية في ضوء تعاليم ماركس، إنجلس ولينين، وكان يؤمن تمام بانتصار المبادئ الشيوعية في حل القضايا الوطنية والكولونيالية، وفي الطاقة الثورية والإبداع الجماهيري، وهو ينتقد في كتابه بحدة السياسية الكولونيالية التي تنتهجها الدول الأوروبية ويعتبر وجودها في الشرق كشر مطلق. وإن كتاب لوتسكي لزاخر بمشاعر التعاطف الحال والفياض مع شعوب الأقطار العربية وكفاحها من أجل التحرر الوطني والتخلص من ربقة الباشوات الأتراك والمستعمرين الأوروبيين، وأن لوتسكى يتعاطف بعمق مع المكافحين ضد الاضطهاد الأجنبي ومع جميع أولئك الذين يذودون عن استقلال أوطانهم وهم شاهرو السلاح. وهو يؤمن إيماناً راسخاً بمستقبل الشعوب العربية وبمقدرتها على تقرير مصائرها بنفسها. إن كتاب لوتسكى هو حصيلة عمل متواصل وعنيد. وهو في شكله الحاضر سلسلة محاضرات جامعية أعدها خلال أعوام كثيرة. وابتداء من 1936 شرع من إلقاء هذه المحاضرات في معهد موسكو للدراسات الشرقية وفي جامعة موسكو وفي غيرهما من معاهد الدراسات العالية السوفييتية. وقد نشر قسم من هذه المحاضرات كفصول متفرقة في الكتاب المدرسي "التاريخ الحديث للأقطار المستعمرة والتابعة" (موسكو 1940، باللغة الروسية). وفيما بعد وسع لوتسكى بصورة محسوسة المحاضرات الخاصة بتاريخ الأقطار العربية وأضاف إليها مواد جديدة. وإن الطبعة الحاضرة هي سلسلة كاملة لمحاضرات ألقاها لوتسكى في جامعة موسكة في أعوام 1949-1953، ومما يؤسف له أن محاضراته هذه لم تسجل بصورة مستوعبة. ولهذا اقتضى لنص كتاب "تاريخ الأقطار العربية الحديث" أن يتخذ أساساً له مسودات وتدوينات مختلفة لمحاضرات الأعوام السابقة نقحت واستكملت بموجب المختصرات الموجودة في سجلات ووثائق لوتسكى نفسه وبموجب مخطوطات الطلاب. وبما أن وثائق لوتسكى لم تحتفظ باية صورة مدونة لمحاضرته عن غزو فرنسا للجزائر، فإن متن الفصل الثالث عشر وضع على أساس الفصل الحادي عشر من كتاب "التاريخ الحديث للأقطار المستعمرة والتابعة" الذي كتبه لوتسكي نفسه. وقد استخدمت بعض الأقسام الأخرى من هذا الكتاب أيضاً وخاصة الفصل العاشر والفصل الثاني والعشرون لإعداد كتاب "تاريخ الأقطار العربية الحديث".