الاعتراض على الحكم الغيابي دراسة تحليلية تطبيقية مقارنة
إن الأحكام القضائية من أعمال الإنسان التي يرد عليها الخطأ أو السهو ويفسدها الغرض أو الجهل، كما أن نفوس الخصوم لا تَسلمْ من الأحقاد والضغائن، فضلاً عن أن الشعور بعدم الثقة هو شعور طبيعي لدى المحكوم عليه. فكان من المتعين أن تتاح للخصوم فرصة إصلاح العيوب التي تضمنتها الأحكام وتفادي الأضرار التي تنجم عن التمسك بحكم غير عادل أو غير مطابق للحقيقة والقانون، ولهذا السبب أوجدت الشرائع من قديم الزمان طرقاً مختلفة للطعن في الأحكام لِتُمَكِنْ الخصوم من الوصول لإصلاحها أو إلغائها. وقد وفق المشرع بين مصلحة الخصوم التي تقضي بوجوب إعادة النظر في الحكم لتدارك ما وقع فيه من خطأ وما اشتمل عليه من إجحاف أو نقص، وبين المصلحة العامة التي تحتم وجوب وضع حد للنزاع حتى تستقر الحقوق وتصبح الأحكام باتةً ملزمة لمن كانوا أطرافاً فيها ومعتبرة عنواناً للحقيقة وقرينة لا يجوز دفعها بأي طريق من طرق الإثبات . وتوفيقاً بين هذه الاعتبارات وضعت طرق الطعن في الأحكام . وطرق الطعن في الأحكام هي الوسائل التي حددها القانون لحماية المحكوم عليه من خطأ القاضي، وتقسم إلى طرق طعن عادية وطرق طعن غير عادية. وأساس هذا التقسيم هو أن طرق الطعن العادية يجوز سلوكها لمجرد عدم رضا المحكوم عليه بالحكم الصادر ضده وله تقديم ما شاء من الأسباب التي يعتقد بأنها تعيب الحكم سواء ما تعلق منها بالقانون أم بالوقائع، أم بسلطة القضاء التقديرية في كيفية تفسير انطباق القانون على الوقائع. أما طرق الطعن غير العادية فلا يجوز سلوكها إلا إذا كان عدم رضا المحكوم عليه يستند إلى سبب من الأسباب المحددة في القانون. وقابلية الحكم للطعن فيه بالطرق التي حددها القانون توفق بين فكرة الحجية التي تقضي احترام الحكم تحقيقاً للمصلحة العامة، وبين مصلحة الفرد الخاصة التي تقضي إشباع غريزة العدالة في نفسه، بتصحيح ما شابَ الحكمُ الصادر ضده من أخطاء. وطرق الطعن في الأحكام التي نضَّمها المشرع العراقي هي الاعتراض على الحكم الغيابي، والاستئناف، وإعادة المحاكمة، والتمييز، وتصحيح القرار التمييزي، واعتراض الغير، والطعن لمصلحة القانون. وقد حرص المشرع على تقييد الطعن في الأحكام بمواعيد محددة، لأن احترام أحكام القضاء هو السبيل لكفالة استقرار الحقوق. وغرض المشرع من مواعيد الطعن في الأحكام هو إيجاد قيد زمني يكفل استقرار الحقوق لدى أصحابها بمعنى أنه بانقضاء هذه الفترة يتحرر صاحب الحق المعرض للطعن فيه من التعرض لتهديد حقه بإعادة عرضه على القضاء، وإلا لظلت طرق الطعن تمثل سيفاً مسلطاً على أصحاب الحقوق إلى ما لا نهاية، الأمر الذي لا يدع مجالاً لاطمئنان أصحاب الحقوق على حقوقهم . وقد راعى المشرع في مدد الطعن أن لا تكون بالغة الطول حتى لا يتأخر حسم الدعوى، كما راعى أن لا تكون بالغة القصر حتى لا يندفع المحكوم عليه بدافع الاستياء من الحكم الصادر ضده فيسرع في الطعن عليه قبل دراسته وإعداد دفاعه بشأنه. ويتناول هذا المؤلف الاعتراض على الحكم الغيابي باعتباره أحد الطرق العادية للطعن في الأحكام القضائية المدنية. إن البحث في موضوع الاعتراض على الحكم الغيابي غايةً في الأهمية ، إذ لم يأخذ قانون المرافعات المدنية العراقي بمبدأ إلزام الخصوم بالحضور أمام المحكمة في المعاملات المدنية، ذلك أن الحضور في قانون المرافعات وأن كان واجباً إجرائياً يتعين على الخصم أن يقوم به أو يوكل فيه غيره، إلا أنه لا يجبر على القيام به، ولكنه إذا أهمل فيه فأنه يتعرض للجزاء الذي نص عليه القانون. وقد عَدَّ الفقهاء المسلمون الحضور إلى مجلس القضاء واجباً على الخصم لقوله تعالى: "وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ"( ). فقد دلت هذه الآية الكريمة، على وجوب إجابة الدعوى إلى الحاكم، لأن الله سبحانه وتعالى ذم مَنْ دُعِيَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحكم بينه وبين خصمه ـ فلم يُحب ـ بأقبح الذم( ) فقال: " أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ"( ). فهذا الذم دل على أن الحضور واجب، لأن حدَّ الواجب ما ذم تاركه شرعاً( )، ولو لم يكن الحضور واجباً لما استحق الذم( ). ولهذا ذهب الفقهاء المسلمون إلى القول بأن الحضور واجب على من دعي إلى حاكم، فأن تخلف عن الحضور وأعرض عن الإجابة فأنه يعد ظالماً فاجراً( )، ويأثم أن تأخر( ). كما ورد عن الحسن البصري رحمه الله تعالى أنه قال: كان الرجل إذا كان بينه وبين الرجل منازعة، فدعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محق أذعن، وعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سيقضي له بالحق، وإذا أراد أن يظلم فدعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرض وقال: انطلق إلى فلان، فأنزل الله هذه الآية( )، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دُعِيَ إلى حاكم من حكَّام المسلمين فلم يجب فهو ظالم لا حق له"( ). وهذا حديث مرسل، ولكنه ورد متصلاً عن طريق الحسن نفسه عن سمرة رضي الله عنه بلفظ: "من دُعِيَ إلى سلطان فلم يجب فهو ظالم لا حق له"( ). لذا فأن المحكمة قد تفصل في النزاع وتُصْدِرُ حكمها بغياب أحد الأطراف ، ولمنع استبداد الخصم بخصمه الآخر ومنعه من استغلال فرصة غيابه ليستفيد منها على حساب خصمه أخذ المشرع بمبدأ قبول الاعتراض على الأحكام الصادرة بغياب أحد أطراف الدعوى كطريقة من طرق الطعن في الأحكام. والاعتراض على الحكم الغيابي هو طريق من طرق الطعن العادية في الأحكام التي تصدر في غياب أحد الخصوم والتي نص القانون على جواز الطعن فيها بالاعتراض، يركن إليه المحكوم عليه غيابياً للوصول إلى إبطال الحكم أو تعديله. والحكمة من إجازة هذا الطعن تستند إلى حقوق الدفاع المقدسة التي يؤدي الإخلال بها إلى بطلان الأحكام لأنه لا يجوز أن يحكم على شخص بغير أن يسمع دفاعه أو تتاح له الفرصة المناسبة للإدلاء بهِ أمام القاضي الذي ينظر النزاع . فإذا كان الخصم قد تخلف لسبب من الأسباب عن حضور المرافعة وجب أن تمهد له الطريق ليلجأ لذلك القاضي ويبسط لديه دفاعه ويطلب منه مراجعة حكمه وإصلاحه أو تعديله أو إبطاله على ضوء ذلك الدفاع ومحو ما تضمنه من عيب أو خطأ بسبب استناده إلى أقوال وحجج خصم واحد. ونعتقد أن الفلسفة التشريعية التي يقوم عليها الاعتراض على الحكم الغيابي لا تقتصر على احترام حق الدفاع فحسب، وإنما احترام مبدأ المواجهة بين الخصوم أيضاً . كما أن موضوع الاعتراض يهتم بإيجاد الأجوبة على الأسئلة الآتية : 1. ما هو الحكم فيما لو صدر حكم غيابي بحق الخصم الغائب معلقاً على النكول عن اليمين عند الاعتراض والإنكار، ووقع الاعتراض على الحكم الغيابي ، فهل يجوز للخصم (المعترض عليه) الذي طلب إصدار الحكم الرجوع عن طلبه بتوجيه اليمين أثناء نظر الدعوى الاعتراضية ويطلب إثبات دعواه بدليل آخر ؟ 2. ما هو الحكم إذا غاب الخصم عن حضور جلسات المرافعة بعد نقض الحكم الصادر في الدعوى حضورياً قبل النقض ، فهل يصدر الحكم بحقه حضورياً أم غيابياً ؟ 3. إذا كانت المرافعة تجري بحق الخصوم حضورياً وحدث سبب من الأسباب التي تؤدي إلى قطع السير في الدعوى وتخلف من يقوم مقام الخصم الذي تم قطع السير في الدعوى بسببه عن حضور المرافعة على الرغم من تبلغه ، فهل يعد الحكم الصادر في الدعوى حضورياً أم غيابياً؟ 4. هل أن الأهلية تعد شرطاً لصحة الدعوى ، أم هي شرط لقبول الدعوى ؟ 5. ما هو الحكم فيما لو اعترض المحكوم عليه على الحكم الغيابي ، وطعن المحكوم له في هذا الحكم بطريق الاستئناف أو التمييز ، فهل تقوم المحكمة التي أصدرت الحكم الغيابي بنظر الاعتراض أولاً أم ترسل إضبارة الدعوى إلى المحكمة المختصة بالطعن؟ 6. هل يعد الطعن في الحكم الغيابي بطريق آخر غير طريق الاعتراض إسقاطاً لحق الاعتراض؟ 7. هل يحق للوكيل بالخصومة إسقاط حق الطعن بالحكم الصادر ضد موكله ؟ 8. هل يحق للوكيل بالخصومة التنازل عن الحكم الصادر لصالح موكله ؟ 9. ما هو الحكم فيما لو قدم الاعتراض إلى محكمة أخرى غير التي ذكرتها المادة (178) من قانون المرافعات المدنية ؟ 10. ما هو الحكم فيما لو كانت عريضة الاعتراض موقعة من غير المعترض أو ممن لا يمثله قانوناً؟ 11. ما هو الحكم إذا وُجِدَ خطأ أو نقص في البيانات الواجب ذكرها في عريضة الدعوى الاعتراضية؟ 12. هل يلزم أن يذكر المعترض في عريضة اعتراضه أسباب الاعتراض بشكل محدد أم يكفي أن يذكر أن الحكم الغيابي قد صدر مجحفاً بحقه أو مخالفاً للقانون؟ 13. إذا كان من المسلم به أن الاعتراض يعيد النزاع أمام المحكمة التي أصدرت الحكم الغيابي في حدود ما تناوله الاعتراض، أي في حدود طلبات المعترض، فهل يترتب على الاعتراض محو الحكم الغيابي أم يظل قائماً ؟ 14. إذا نفَّذَ المحكوم له الحكمَ الغيابيَ المشمولَ بالنفاذ المعجل ، وطعن المحكوم عليه بالاعتراض على الحكم الغيابي ، فهل تستمر مديرية التنفيذ بالإجراءات التنفيذية تطبيقاً لنصوص المواد (164 و165 و183) من قانون المرافعات المدنية أم توقف الإجراءات التنفيذية تطبيقاً لنص المادة (53) من قانون التنفيذ ؟ 15. ما هو الحكم الذي تتخذه المحكمة إذا جددت الدعوى الاعتراضية بعد تركها للمراجعة ، ولم يحضر الطرفان للمرة الثانية ؟ فهل تترك الدعوى الاعتراضية للمراجعة مرة ثانية ؟ أم تقرر المحكمة إبطال عريضتها ؟ 16. إذا اتفق الطرفان على ترك الدعوى الاعتراضية للمراجعة وتم فتح السير فيها ، فهل يجوز لهما الاتفاق على تركها للمراجعة مرة ثانية ؟ 17. إذا حضر المعترِضُ ولم يحضرْ المعترض عليه لعدم تبلغه ، فهل يستطيع المعترض أن يطلب ترك الدعوى الاعتراضية للمراجعة استناداً إلى أحكام الفقرة "1" من المادة "54" من قانون المرافعات المدنية التي أجازت للمدعي في حالة عدم حضور المدعى عليه لعدم تبلغه أن يطلب ترك الدعوى للمراجعة ؟ 18. قد يحصل أن تصدر المحكمة حكماً غيابياً ضد المدعى عليه ويعترض المدعى عليه على هذا الحكم ، ومن جملة اعتراضاته دفعه بعدم اختصاص المحكمة مكانياً، وخلال المرافعة في الدعوى الاعتراضية يثبت هذا الدفع ، فهل تقرر المحكمة إحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة مكانياً لتنظر في أمر الحكم الغيابي واصل الدعوى ؟ أم إنها تبطل الحكم الغيابي ومن ثم تحيل الدعوى إلى تلك المحكمة لتصدر حكماً جديداً في موضوعها أم إنها تقرر إبطال الحكم الغيابي وترد الدعوى وتكلف المدعي بإقامة دعوى جديدة ؟ 19. ما هو الحكم فيما لو تعدد الخصوم في الدعوى الاعتراضية وتحقق سبب الانقطاع بجانب أحد المعترضين أو أحد المعترض عليهم ؟ 20. هل يحق للوكيل بالخصومة إبطال عريضة الدعوى الاعتراضية استناداً إلى أحكام المادة 88 من قانون المرافعات المدنية ؟ 21. هل يجوز للمعترض إبطال عريضة الاعتراض أياً كان موضوعها ؟ أي هل يجوز إبطال الدعوى الاعتراضية حتى وإن كان موضوعها متعلقاً بالنظام العام؟