الفقه الإفتراضي في مدرسة أبي حنيفة
رقم الايداع 9786144371480 , , سنة النشر 2014
الفقه الإفتراضي في مدرسة أبي حنيفة
الفقه الإسلامي هو حصيلة الأحكام التكليفية التي جاء بها القرآن الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وقد شمل هذا الفقه بأحكامه جميع نواحي الحياة، فمنها ما هو تنظيم إجتماعي، ومنها ما هو خاص بالسياسة والحكم، ومنها ما هو خاص بحقوق الإنسان ومسؤوليته في الحياة، ومنها ما هو خاص بالنظام المالي والأنظمة المدنية، ومنها ما هو خاص بأمن الجماعة وسلامتها، ومنها ما هو خاص بنظام الحرب والسلم وعلاقة غير المسلمين بالدولة المسلمة، ومنها ما هو خاص بعلاج الجريمة ومقاومتها، ومنها ما هو خاص بمقاومة الرق والقضاء عليه تدريجياً، ومنها - ما هو أهم من هذا كله - وهو ما يختص بعلاقة الإنسان المخلوق بخالقه.

فكان الفقه حقاً من أجلّ مظاهر نعم الله عزّ وجلّ على عباده في تبصيرهم بأفضل سبل التعامل السلوكي القويم ولا ريب في أنها سبيل مرسومة للأجيال الإنسانية كلها على إختلاف الأزمنة والبقاع؛ ومن هذه الأحكام ما أبرمت دلائله بنصوص واضحة قاطعة، فهي لا تحتمل خلافاً ولا إجتهاداً، ومنها ما أنيط بأدلة محتملة فهي خاضعة للرأي والإجتهاد، فكان للمجتهد في هذه الأدلة النظر إلى النصوص بعين، والنظر إلى المكان والزمان والحال بعين أخرى، حتى يوائم بين الواجب والواقع، ويجعل لكل واقعة حكمها المناسب.

من هنا، توغّل الفقهاء النظام والمجتهدون وفي طليعتهم الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان رضي الله عنه، في لجج هذا التشريع السماوي، وأنزلوه إلى الواقع العملي، ثم تجاوزا ذلك الواقع المنظور إلى المستقبل ليصيغوا أحكاماً لحوادث قد تقع فيه، والذي حفّزهم لذلك مرونة هذا القانون وشموله للأزمنة والأمكنة كافة.

وإلى هذا، عطف الفقهاء بعد إستيفاء أحداث الواقع ومسائله إلى مسائل افترضوا وقوعها مستقبلاً، فنما الفقه بذلك واتسع وكثرت مسائله الواقعة والمتموقعة (المفترضة)، ودُوّنت كتبه وقُقّدت قواعده وضُبِطت طرائق إستنباطه في فرصه التاريخية التي بلغ بها عصره الذهبي آنذاك.

وكان الإفتراض الفقهي من ثمار ذلك العصر، وكان مؤسس مدرسة الحنفية في العراق الإمام أبو حنيفة من أبرز من نظروا في الإفتراض، حيث افترض أحكاماً وأوجد حلولاً لمشاكل لم تقع بعد؛ وإنما جوّز العقل حدوثها بإعتبار تعلقها بفعل البشر؛ إضافة إلى دفع الحرج عن الناس إذا ما عاينوا هذه المسائل وعاصروها.

أما من الناحية الأكاديمية، فكان الإفتراض كالتمارين والواجبات التي يتعلم من خلالها طلبة العلم طرائق الإستنباط والإجتهاد فضلاً عن ضبطهم بها قواعد وأصول الشريعة السمحة - وإن كان بعض من جاء بعد زمن المجتهدين الأوائل من أخرج الإفتراض عن مساره الصحيح.

إلا أن الإفتراض السليم يبقى ظاهرة علمية صائبة، وأثراً من أهم آثار النهضة العلمية في الأمة الإسلامية؛ إذ هو الملكة الفقهية التي وهبها الله عزّ وجلّ للفقهاء والمجتهدين.

من هنا، تأتي أهمية هذا الكتاب الذي يبحث في الفقه الإفتراضي من مدرسة الإمام أبو حنيفة وذلك بغاية تعريف المسلمين قبل غيرهم بخصائص الشريعة الإسلامية والتي كان من بين خصائصها فقه الإفتراض، كما وإظهار قيمة علماء المسلمين الذين لم يألوا جهداً في عرض مسائل هذا الدين بما يليق به.

وقد كان منهج الباحث تناول حملة من القضايا أهمها: 1-بيان مدى أهمية الفقه ومرونته وقدرته على ضبط الأمور الحياتية، 2-تسليط الضوء على إنقسام المدرسة الفقهية عند أهل السنّة والجماعة إلى مدرستين: مدرسة أهل الأثر، ومدرسة أهل الرأي، 3-توضيح معنى الإفتراض وأهميته وأسبابه ومقاصده وأقسامه، ومتى يكون ضارّاً بالأمة، 4-بيان ما يجوز الإفتراض فيه من المسائل وما لا يجوز، 5-أهم المصادر التي ارتكز ع ليها الإفتراض مع ضرب الأمثلة من الفروع الفقهية في كتب الحنفية ومقارنتها أحياناً مع المذاهب الأخرى، وبالترجيح فيما بينها أحياناً أخرى، 6-تخريج الأحاديث والآثار التي وردت في الأدلة مع بيان درجتها، والحكم عليها إذا كانت في غير الصحيحين، بالإعتماد على المصادر الحديثية المختصة، 7-ترجمة لكل الأحلام الذين ورد ذكرهم في البحث، بما في ذلك المشهرين منهم للتعريف بفضلهم.

هذا وتجدر الإشارة إلى أن هذه الدراسة جاءت بمثابة رسالة بحثية نال بها الباحث درجة الماجستير تخصص الفقه وأصوله بدرجة جيداً من كلية الإمام الأعظم في بغداد.

الزوار (1998)