
في نهاية القرن التاسع عشر كان حريم آخر سلاطين بني عثمان عبد الحميد، الثاني الملقب "السلطان الأحمر" بحق وحقيق، يضمّ 1500 امرأة تقيم كل واحدة منهن في منازل منفصلة بعضها عن بعض وتدعى أكشاكاً.
ماذا جرى لهذا الحريم ومن كن يشغلنه من النساء عقب خلع السلطان ونفيه من تركيا؟!
كانت الأكشاك تقع في حدائق بديعة على ضفاف البوسفور الرائعة، تحيط بها أسوار مرتفعة، تعزل شاغلاتها عن سائر العالم. وكانت دار الحريم، خارجاً من المشاكن الخاصة والملحقات المخصصة لهيئة المستخدمين، تتألف من بعض المباني الفخمة، والحمامات، والمكتبات، ومسرح، وقاعات للرقص مفردة خصيصاً لمحظيات السلطان.
كانت نساء الحريم من الطبقة الأدنى وتتألف من صبايا نجحن في اجتذاب اهتمام السلطان بهن، وكان لكل واحدة من هذه الفئة غرفة خاصة بها في دار الحريم، وإذا يم يعد السلطان يتذكر هذه أو تلك منهن، فإنها كانت تُزوّج إلى موظف حكومي أو ضابط، وتمنح بائنة (دوطة) ويخصّص لها دخل، ويظل يحق لها أن تتردد على النساء في دار الحريم، إلا إذا كانت قد نعمت بالحظوة لدى السلطانة- الأرملة، فعندما لا تتوصل إلى أن تُقبل نهائياً في الحريم.
وكانت السلطانة - الأرملة سيدة الحريم الأولى، وهي التي كانت مولجة بإدارته. وعندما كان السلطان يبدي ميله إلى إحدى الصبايا، كانت تقدّمها إليه امرأة هي بديلة السلطانة- الأرملة.
فتركع الفتاة أمام كرسي السلطان، وتعانق ذراع مقعده، وعندما يداعب السلطان شعرها، تُرقّى إلى مرتبة "مقبولة"- أي أنها باتت المختارة أو المحبوبة. وكانت هذه المرتبة الثانية تمنحها الحق بكشك، وفناء صغير، والحق بالاشتراك في الأعياد والمهرجانات. وما إن تستقبل "المقبولة" في كشكها السلطان- وهذه حظوة لا تخفى طويلاً أبداً، حتى تُرقّى إلى مرتبة المحظية (إقبال). وعندما تضع هذه المحظية أميراً- ذلك بأن ولادة فتاة لا يغيّر شيئاً في وضعها- ترتفع مرتبتها، وتُعرف إذ ذاك باسم "رادين".
كان السلاطين يتخذون أربع زوجات شرعيات. وعندما تموت أحداهن، فإن "الرادين" الأقدم عهداً تحل محلها بصورة آلية، وفي حين أن النساء في مرتبة "إقبال" كان باستطاعتهن الاقتران أحياناً بوزراء، أو جنرالات، أو دبلوماسيين، ويعتبرن ذلك صفقة رابحة، فإن "الرادين" لا ينبغي لها أن تغادر دار الحريم مطلقاً.
عقب ثورة السنة 1908، وعندما خُلع السلطان عبد الحميد الثاني، انخفض عدد القاطنات في دار الحريم إلى 500 والنساء من مرتبة "الرادين" اللواتي لم يصحبهن السلطان إلى منفاه، عزلن في السراي السابقة مع زوجاته اللواتي لم يحرص على أن يرافقنه. وعلى الرغم من أن مصيرهن لم يُحسدن عليه، فقد كان بوسعهن أن يعتبرن أنفسهم سعيدات بالمقارنة مع المحظيات من مرتبة أدنى اللواتي قررت الحكومة الجديدة إعادتهن إلى أسرهن.
كان ذلك، بالنسبة إلى هاته النساء المدللات اللواتي اعتدن على الجاه العريض، كارثة حقيقية. ومن مختلف الأنحاء، من أرمينيا ومن السهوب القفقاسية، كان يتدفق الرعاة والفلاحون، لايواء هذه الأميرات الساقطات اللواتي غالباً ما كنّ يجهلن كل شيء عن أسرهن.
كان قدرهن قاسياً بصورة خاصة. كثيراً منهن انتحرن، لأنه لم يعد بوسعهن أن يحتملن، بعد حياة الحريم، حياة الأرياف الكئيبة. ومنهن من احترفن إما الرقص في بعض مقاهي المغنى، أو البغاء...
إنها لنهاية محزنة حقاً بالنسبة إلى حسان البوسفور الصبايا، الملكات ليوم واحد!..
..
من كتاب "كواليس التاريخ"