قد تكون الجملة الأكثر تعبيراً عن حياة وشخصية الأديبة الفرنسية المولودة في بلجيكا مارغريت دو كراييانكور المعروفة باسم مارغريت يورسونار التي يصادف هذا العام مرور مئة عام على ولادتها (من مواليد 8 حزيران 1903) ما يختصر مسيرتها وحياتها العاطفية: "عاشت ابنة من دون أم، وامرأة من دون طفل، وعاشقة من دون رجل...".
ومن بين قليلات من جيل عصرها، كانت المرأة الأولى التي دخلت "الأكاديمية الفرنسية" وكان ذلك عام 1980، كما انتخبت عضواً بارزاً في "الأكاديمية الأميركية للفنون والآداب" عام 1982.
نتذكر يورسونار وكأن اسمها قد اقترن أبدياً بعنوان كتابها "مذكرات أدريان" تماماً كما يحصل مع أبرز الأدباء الذين يتركون عشرات الكتب وغالباً ما يكون ثمة كتاب واحد يمثلهم أو حتى يتفوّق على اسمهم.
يورسونار الأمكنة والأسفار والأوطان، يورسونار الحب والكتابة والصداقة والحياة الطويلة المكللة بالنجاحات والهدوء وسكينة الشيخوخة، يورسونار الوجه الجميل والروح الملهمة والقلم المبدع، يورسونار "أدريان" و"اليكسيس" و"أنا سورور" وكل أبطالها سنتحدث عنها ونتذكرها. وثمة صعوبة في رصد حياتها ومؤلفاتها وفصول نتاجها وتألقها وأسفارها وعلاقاتها بالأمكنة والمدن والحضارات والتاريخ والعلوم الانسانية والتطوّرات التي طبعت عصرها، إذ يمكن القول انها تختصر أو تمثل قرناً كاملاً بكل جمالياته ومآسيه، هي المولودة في بداية التسعينات من القرن العشرين والشاهدة على عصر بكامله، إن في نشاطها المتفوق في عز شبابها أو في سكون وحدتها في السنوات الأخيرة حيث طبعت بشيخوختها الهادئة جيلاً واكبها وأحب نتاجها. كيف ننظر اليوم، من مطلع بدايات القرن الحادي والعشرين إلى مسيرة يورسونار، أو إلى مؤلفاتها من "اليكسيس أو البحث في القتال الباطل" إلى "كتاب بالأسود" إلى "مذكرات أدريان" و"مذكرات تقية" و"أرشيف الشمال" و"تاج وقيثارة" وغيرها من الكتب؟ يورسونار الفرنسية الأصل، البلجيكية المولد، والأميركية الاقامة والمتنقلة في سائر بلدان أوروبا والشرق، كيف عاشت؟ لماذا كتبت؟ مَنْ هم أبطالها؟ وكيف تطل علينا في الذكرى المئوية الأولى لولادتها من مثواها الأخير في مقبرة سومثيل في نورث إيست ـ هاربور الأميركية؟
تحتفل فرنسا هذا العام من ضمن برنامج أدبي مكثف بالذكرى المئوية الأولى لولادة يورسونار، الابنة الشرعية لها التي ولدت خارج الأراضي الفرنسية وعاشت متنقلة ما بين أوروبا وأميركا وآسيا وكتبت عن أبطال عالميين من عصور مختلفة وجابت العالم عبر كتابات متنوعة، لكنها بقيت الابنة الوحيدة لميشال دوكراييانكور المولود في مدينة ليل الفرنسية ولفرناند دو كارتييه مارشيان المولودة في نامور في بلجيكا. توفيت والدتها بعد ساعات قليلة من إنجابها وعاشت مارغريت وحيدة مع والدها متنقلة معه وحاملة معها حرمان الوالدة وعقدة الذنب من الثمن الباهظ الذي تكلفته هذه الأخيرة لحظة مجيئها هي إلى الحياة. بعد سنوات الطفولة، سرعان ما لاحظ الوالد الذهن المتقد والذكاء الواضح لدى مارغريت الصغيرة التي كانت هوايتها اكتشاف اللغات، فتعلمت بسهولة إلى جانب الفرنسية الانكليزية واللاتينية القديمة واليونانية والايطالية بعد حين لتتمكن من قراءة شعراء إيطاليا بلغتهم الأم، وكل ذلك في سنوات المراهقة، مع انتقالها للسكن مع الوالد في انكلترا بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى. ذات يوم وبعد نيلها شهادة البكالوريا باللاتينية ـ اليونانية القديمة وكانت من أصعب الشهادات في ذلك الحين، قررت أن تختار اسماً أدبياً لها، وعلى سبيل المزاح والتسلية، حاولت مع والدها أن تغيّر في ترتيب أحرف اسم العائلة وهي كراييانكور لتصبح "يورسونار"، لكنها لم تكن تدرك حينها أنها ستعتمد الاسم بعد العام 1947 اثر وصولها إلى الولايات المتحدة الأميركية.
1921
دخلت يورسونار عالم الأدب عام 1921 من باب الشعر مع ديوان "حديقة الأوهام" ولما تبلغ الثامنة عشرة واعتبرت ذلك الدخول موازياً في روحانيته للعالم الذي اختارته لها والدتها وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة بعد ولادتها لمارغريت قائلة انها تتمنى لها الدخول إلى الدير وارتداء ثوب الراهبة. وعلقت يورسونار وهي شابة على الموضوع: "رحلت "في ساحة الشرف الخاصة بالنساء" على أثر حمى ونزيف حاد بعد ولادتي، وأنا حققت لها حلمها القديم بارتداء ثوب الأدب وقرار سبر أغواره طوال حياتي".
في "حديقة الأوهام" وهي قصيدة حوارية طويلة عالجت أسطورة إيكار وتبعه "لم يمت الآلهة" عام 1922. أما كتابها الأول الذي نقلت معه من الشعر إلى النثر فكان "اليكسيس أو البحث في القتال الباطل"، قابله النقاد بكثير من الايجابية، وهو يحكي قصة شاب قرر أن يضع حداً لارتباطاته وينطلق مكرّساً حريته قبل أي اعتبار. تلاه عام 1931 "أوريديس الجديدة" و"نيران" عام 1936. أما الكتاب الذي بدأت معه شهرتها فكان "حكايات شرقية" صدر عام 1938.
مع هذه الحكايات، عبّرت يورسونار عن رغبة لديها في اسكتشاف الشرق عبر الديكورات التي وصفتها بقوة، وعبر أسلوبها وروحية نصوصها: من الصين إلى اليونان، من بلاد البلقان إلى اليابان، ترافق القصص القارئ المسافر معها في رحاب الشرق، مع الرسام الصيني وانغ ـ فو وبطلها الصربي ماركو كراليييتش والأمير الياباني جنغي من القرن الحادي عشر، وبطلتها الألبانية انيا والأرملة افروديسيا... كلها شخصيات استقتها من وقائع وأساطير مجتمعة، وكان لها وقعها في القارئ لجمالية السرد والربط الذكي والمفعم بالحساسية بين مجتمعات وعصور متنوعة استطاعت أن تلمس الخيط الرفيع بينها وهو المحض انساني وعميق. وقد أجمع النقاد مع انطلاقة يورسونار على أن إبداعها يكمن في قدرتها على استنباط مفاعيل الزمن وآثاره في الحياة عبر مؤلفاتها، وهي التي كتبت ذات يوم أنها "تستكشف الغامض وتضيء على المتخيّل لتتوصل إلى الأسطورة والرمز في كل أزمنة الحياة لتتمكن من خلاله من أن تقهر الزمن المدمر".
1939
عام 1939، أصدرت رواية "ضربة من النعمة" وبحثاً بعنوان "الأحلام والمصائر"، وإذا كانت في "نيران" و"اليكسيس" قد اعتمدت على ذكر الأساطير القديمة وعلى استذكار انتيغون ويدرا وغيرهما، فهي في "ضربة من النعمة" قد نقلت إلى أقصى الواقع وسردت مشاعرها حيال الحرب العالمية الثانية فأعربت عن كل العنف الكامن في داخلها وكتبت النص في تنقلاتها ما بين كابري وسورنت. وفي ذلك العام بالذات، اعتبرت أن روحها وحياتها تهتزان على غرار أوروبا التي تحترق. كانت تعيش أقصى مراحل حياتها، لم تعد تمتلك المال إذ وجدت نفسها وحيدة وذلك بعد رحيل والدها المبكر عام 1929، فتعرّفت ذات يوم إلى صديقة أميركية دعتها إلى قضاء فصل الصيف في منزلها العائلي. رحلت يورسونار إلى أميركا واختارت أن تبقى هناك مع رحلات عديدة اقتطعت المنفى الأميركي لزيارة بلدان أوروبية من حين إلى آخر. كتبت روايتها "دونييه الحلم" وتركته جانباً ثم أصدرته عام 1959. وزيارتها الأميركية الأولى طبعها لقاء مميز مع جماعة السورياليين الذين كانوا حينها في نيويورك فاجتمعت هناك بأندريه بروتون وماكس أرنست وشيفرين واي تانغي وسترانسكي وغيرهم، لكن هذا اللقاء لم يترك أثره الأدبي فيها، إذ بقيت محافظة على إيقاع عالمها الأدبي الخاص ولم تدخل في متاهات السوريالية ولم "تبحر في مائها" كما قالت بنفسها.
عاشت يورسونار سنوات من "القحط الأدبي" في الأربعينات عزت سببها إلى المنفى الأميركي الذي لم يلهمها الكتابة، فقررت ذات يوم أن تعيش هناك مع تغييرات جذرية في حياتها، فسوف تكون أميركية الجنسية والاقامة (حصلت على الجنسية عام 1947) وسوف تعيش كانكليزية وتكتب بالفرنسية. وقررت أنها "لن تستمر في أن تكون كاتبة ـ امرأة، ستتحوّل كاتبة قبل أي شيء مع إمكانية أن تكون امرأة من وقت إلى آخر". صرّحت بذلك وطاول التأويل كلامها، فالبعض اعتبر أنها تشير بذلك إلى ازدواجية جنسية وعاطفية لديها إذ أنها وبعد فشل كبير في حبها لرجل رفضها بسبب شذوذه تحوّلت بدورها إلى نبذ الرجل وإلى رفض حبه.
مذكرات أدريان
وكانت افتتاحية العودة إلى الكتابة مع رائعتها "مذكرات أدريان" عام 1951 الذي انتشر بقوة في فرنسا والعالم وتُرجم إلى لغات عديدة واستقبله النقاد بحفاوة كبيرة. وكانت يورسونار قد صاغت وأتلفت مرات عدة تصميم هذا الكتاب الذي كان يمثل حلماً وطموحاً لديها مع شخصية الامبراطور الروماني أدريان من القرن الثاني بعد الميلاد الذي لعب دوراً كبيراً في دعم الفنون وفي تحسين أوضاع العبيد في ذلك الزمن. مع "مذكرات أدريان" حاولت يورسونار أن تعصرن الماضي والتاريخ، ومن خلاله، حلمت برجل دولة مثالي، أو حاكم كبير قادر على "تثبيت الانسانية في الأرض". وقد أعطته ملامح وخصوصيات مثالية هو ذاك الروماني الذي امتلك ثقافة يونانية واسعة وطموحاً كبيراً في تحقيق السلم والعدالة في امبراطوريته وخارجها أيضاً. كان من أبرز حماة البيئة، أحب الطبيعة والشجر وحاكم كل من تعدى على شجرة أو أرض وكأنه يعتدي على انسان. شكل أدريان" الامبراطور حلماً في رأس يورسونار وبنت على صورته عالمها المثالي وكتبت عنه وله حكمة وقيماً شرقية وجعلته يستعد لموته بفرح و"يدخل نفق المجهول بعيون مفتوحة". عرف "أدريان" بمذكراته مع يورسونار حياة جديدة بعد 18 قرناً من حياة البشرية وهي أحيت الواقع والأسطورة فيه على غرار عاشقة تستعيد الملامح المحببة لديها من وجوه ألفتها وأصوات سمعتها لتعيد إلى الحياة ما لا يستحق الموت أو النسيان.
كتاب بالأسود
بعد سبعة عشر عاماً على صدور "أدريان" ومذكراته، كتبت يورسونار خلال أحداث أيار 1968 في فرنسا "كتاب بالأسود" أو "نتاج بالأسود" مستندة إلى قصة قصيرة ومهملة نشرتها عام 1934 واختصرتها بالتالي "إنها بكلمتين قصة رجل ذكي وملاحق: وقعت الأحداث عام 1569، أو كان يمكن أن تحصل بالأمس أو سوف تحصل في المستقبل". بذلك اختصرت الكاتبة في المقدمة كلامها في تقديم بطلها المتخيل زينون الفيلسوف والطبيب والخيميائي من القرن السادس عشر الذي تخيلته لكتابها ثم ما لبث أن أصبح واقعاً وحاضراً إلى درجة أنها صرّحت ذات يوم "اني أمسك بيده تماماً وكأنه أخي الصغير، وأنا واثقة أنني يوم سأموت لن يحضر وعليه سأغلق عيني، هذا الطبيب القادم من النهضة..."، وهي وضعت هذا الكتاب بعد شعورها القوي بالتشاؤم الذي كان لا بد أن يلي التفاؤل مع كتابه "مذكرات أدريان" وكانت شخصياً في مواجهة الشيخوخة والوحدة في منفاها الأميركي حيث بدأت شيئاً فشيئاً تعود حسياً وكتابياً إلى أماكن الطفولة والصبا، إلى وطنها الأم، وكانت تكثر في تلك الفترة من أسفارها حيث كانت تعود دوماً إلى أوروبا وبشكل خاص إلى مؤسسات فرنسية فرنكوفونية حيث تحاضر وتشارك في المؤتمرات.
وابتداءً من 1958، انخرطت الكاتبة في مساندة منظمات أوروبية عديدة لنصرة قضايا انسانية وبيئية وسياسية مطروحة، وكانت في اتجاهاتها معادية إلى حد ما لمفهوم المجتمعات الأميركية فحاربت ضد نظرية التسلح النووي وضد اقتحام المدن والمدنية للمناطق الريفية والطبيعية في العالم وضد الحرب في ظروف عديدة. في تلك المرحلة عملت كثيراً على الترجمات الأدبية مستفيدة من إلمامها باللغات ونشرت أجمل ترجماتها التي اعتبرت بمثابة التحفة بالفرنسية بعنوان "نهر عميف، ساقية مظلمة" تناولت فيه كتب "النيغرو سبيريتويلز".
عرفت يورسونار نجاحات كبيرة كما عرفت مجدها في شيخوختها، وحصدت أرفع الجوائز الأدبية. فنالت عن "مذكرات أدريان" جائزة "فيمينا" الفرنسية وجائزة "نيوزبايبر غيلد أوف نيويورك" الأميركية. أما "نتاج بالأسود" فنال جائزة "فيمينا" أيضاً بعد نشر جزءيه الأول والثاني: "حياة الترحال" و"الحياة الجامدة". أما تكريمها الكبير فجاء عبر قبولها عضواً في "الأكاديمية الفرنسية" العريقة وكانت المرأة الأولى التي تدخل هذه المؤسسة، عام 1980.
بعد هذا التاريخ، كتبت يورسونار بكثرة: "مذكرات تقيّة" عام 1974، "أرشيف الشمال" 1977، والعديد من الترجمات والأبحاث والدراسات وكان أهمها: "التاج والقيثارة"، "اللهجة واللغة في الرواية التاريخية"، "ألعاب المرايا" وغيرها من الكتب.
ميشيما
أما رائعتها الجديدة في تلك المرحلة فكانت دراستها عن الشاعر الياباني الكبير ميشيما وعنوانها: "ميشيما أو رؤيا الفراغ"، كما ترجمت أبرز أعماله "النو الخمس المعاصرون".
وفي إقامتها الأخيرة في نيويورك انكبت على تأليف كتابها الجديد "ماذا؟ الأبدية" الذي صدر عام 1988، أي بعد موتها بسنة، وكانت يورسونار قد أمضت أيامها الأخيرة في منطقة نورث ـ إيست هاربور الأميركية حيث دفنت في مقابرها، واعتنت بعد أشهر دار "غاليمار" الفرنسية بنشر نصها الأخير "صوت الأشياء" وما قبل الأخير "ماذا؟ الأبدية" بعد عقد اتفاق مسبق معها قبيل رحيلها.
لم تكن يورسونار من الأديبات الساعيات إلى التكريم والجوائز مع أنها حصدت الكثير من الشهرة والمجد، ولم تكن تطل من منفاها الأميركي إلا بصورة المرأة المستريحة في شيخوختها وفي خطوط تجاعيد وجهها ويديها المعبّرتين. رفضت الانصياع للتيارات الأدبية وبقيت وحدها في مسيرة القلم والتحدي في مواجهة أفكارها بجرأة غير معهودة. وفي حين انساقت عديد من معاصريها إلى التقليد أو على الأقل إلى الانسياق في تيارات السوريالية والحداثة والتحديث بكل أنواعه وأشكاله، بقيت هي تغوص في التاريخ والماضي ومتاهات الأساطير التي تفوح منها روائح القِدَمْ وأريج الربيع الدائم. ولم يسلم أبطالها، لا أدريان الامبراطور، ولا اليكسيس الثائر ولا إيريك أو أوريدس أو غيرهم من إدخالها جميعاً في بدايات المتاهة التي تحدثت عنها في النص الثاني من كتاباتها، إذ غالباً ما ذكرت أن رحلتها في الأدب ليست مجزأة بل هي حلقات مثالية من الاستكشاف ومن الرؤية المتجددة للعالم.
وفي كلام لها نشرته في بحث خاص كتبت عن الزمن، ذاك النحات الهائل: "دورة جديدة تبدأ، من خلال آخر أوراق الشجر اليابسة من الخريف الماضي التي تخترق أول البراعم الخضراء...". وتريد الاشارة بذلك إلى اختصار لكل هدفها في مسيرتها الأدبية التي تمثلت في "تحديث الماضي" أو استحضار الماضي ونبشه وتجزئته بدقة للعثور في طياته على وجه الحاضر. وثمة أفكار كثيرة أطلقتها يورسونار واعتبرت مؤثرة في بعدها الفكري والفلسفي ومن بين جملها التي مجّدت فيها الماضي: "كل ما قاله البشر وكان الأجمل قيل باليونانية"، أو "ثمة حِكَمْ كثيرة وكلها ضرورية للكون، وليس أمراً سيئاً أن تتواصل..."، أو "مكان ولادتنا الحقيقي هو حيث استطعنا أن ننظر بذكاء إلى أنفسنا للمرة الأولى: وأول أوطاني كان كتبي القديمة...".
أتقنت يورسونار لعبة الزمن والماضي بامتياز، هناك في صفحات صفراء باهتة نبشتها وأمعنت بها التقت رجلها المثالي، في امبراطورية تسكن كتب التاريخ، وهناك وجدت وطنها وأمها البديلة التي لم تلدها وأحباباً وأصدقاء.
عالم كامل أحيته يورسونار في لغة القرن العشرين الحديثة وواجهت تحديات العصر وأفكاره ومشاريعه وألقت بثقل موهبتها وإبداعها في بحر الأساطير العميق ومياهه العكرة غير أنها طلعت بصيد وفير ومتنوّع شكّل أسطورتها الخاصة هي تلك المرأة التي لم تخف التغيير والتطوّر وواجهت حقيقتها بجرأة كمن ينظر إلى الشمس بعيون مفتوحة: "كلنا لتبدّلنا نحو الأفضل لو كان لنا الجرأة في أن نكون بحق ما نحن عليه".
سيرة وأعمال
1903 ـ ولدت مارغريت دوكرييانكور في 8 حزيران في جادة لويس في بروكسيل وتوفيت والدتها بعد عشرة أيام اثر نزيف حاد عقب الولادة. رحل الوالد مع الطفلة إلى ملكية العائلة في القمة ـ السوداء في الريف الفرنسي.
***
1912 ـ 1920 ـ انتقال إلى جادة "دانتان" في باريس. ثم سفر إلى "الميدي" وبعدها مدينة "نيس" حيث أنهت دراسة "البكالوريا" قسم اللغات القديمة.
***
1921 ـ أول كتبها: "حديقة الأوهام".
***
1922 ـ صدور "الآلهة لم تمت".
***
1926 ـ 1928 ـ زواج والدها من جديد وانتقاله إلى سويسرا. صدور مقالة لها في مجلة "أومانيتي" بعنوان "الرجل"، وتعتبر من أبرز مقالاتها.
***
1929 ـ موت والدها في لوزان. صدور كتابها "اليكسيس أو البحث عن القتال الباطل".
***
1930 ـ 1931 ـ صدور "أوريديس الجديدة" و"بيندار". أسفار عديدة إلى اليونان، إيطاليا وأوروبا الوسطى.
***
1934 ـ صدور "الموت يقود إلى المربط" و"دينييه الحلم".
***
1936 ـ صدور "نيران" كتبته على إثر انفصالها عن أندريه فرينو وكان يعمل قارئاً للمخطوطات لدى دار "غراسيه".
***
1937 ـ التقت الأديبة فرجينيا وولف وترجمت لها "الأمواج".
***
1938 ـ صدور "الأحلام والأقدار" و"قصص شرقية". التقت غريس فريك في باريس وأصبحت بعدها سكرتيرتها ومديرة أعمالها وشريكتها في المسكن في أميركا.
1939 ـ صدور "ضربة نعمة". سفر إلى نيويورك حيث بدأت بتعليم الأدب الفرنسي في الجامعات الأميركية واستمر ذلك عشرة أعوام.
***
1947 ـ ترجمت كتاب "ما كان يعلمه مايسي" لهنري جايمس. طلبت يورسونار في هذا العام الجنسية الأميركية.
***
1951 ـ صدور كتابها "مذكرات أدريان".
1952 ـ جائزة "فيمينا" عن "مذكرات أدريان".
***
1954 ـ صدور "اليكترا أو سقوط الأقنعة".
***
1956 ـ "محبة آلسيب" صدر عن دار نشر في "لياج".
***
1959 ـ صدور "دينييه الحلم".
***
1968 ـ صدور "نتاج بالأسود" ويحوز جائزة "فيمينا". ومنذ ذلك العام، بدأت جميع كتبها تصدر في نسخ جديدة عن دار "غاليمار".
***
1970 ـ تم انتخابها عضواً في "الأكاديمية الملكية للغة والأدب الفرنسي". حصلت على وسام شرف في باريس.
***
1971 ـ 1972: "مسرح I و II" وجائزة الأمير بيار دو موناكو.
***
1974 ـ مذكرات تقية "والجائزة الوطنية للثقافة" من فرنسا.
***
1977 ـ الجائزة الكبرى من الأكاديمية الفرنسية عن مجمل كتبها. صدور "أرشيف الشمال". اقتباس "ضربة نعمة" للسينما مع المخرج فولكر شلوندورف.
***
1979 ـ صدور "التاج والقيثارة".
***
1980 ـ انتخابها عضواً في "الأكاديمية الفرنسية". وبداية علاقتها مع صديقها جيري ويلسون الذي جابت معه دولاً عديدة في ما سمته "جولة حول العالم".
***
1981 ـ أول لقاء لها مع "الأكاديمية الفرنسية" حيث ألقت خطاباً خاصاً بالمناسبة في 22 كانون الأول. صدور "آنا سورور" و"ميشيما أو رؤية الفراغ" و"الخطاب".
***
1982 ـ صدور "مثل المياه الجارية". وصدور مجموعتها الكاملة عن دار "لابلياد".
***
1983 ـ صدور "الوقت، ذاك النحات الكبير". جائزة "إيراسم" في أمستردام.
***
1984 ـ ترجمت "النو الخمس المعاصرون" لميشيما.
***
1985 ـ صدور "الرجل المظلم"، و"صياح جميل" و"الحصان الأسود ذو الرأس الأبيض". خضوعها لعملية جراحية كبيرة.
***
1986 ـ وفاة صديقها جيري ويلسون إثر إصابته بمرض السيدا.
***
1987 ـ صدور "صوت الأشياء". ورحيل يورسونار في 17 كانون الأول في منطقة بارهربور في الولايات المتحدة الأميركية.
***
1988 ـ صدور "ماذا؟ الأبدية" بعد موتها عن دار "غاليمار": واقتباس السينمائي البلجيكي أندريه ديلو لكتابها "نتاج بالأسود".
***
1988 ـ صدور دراسة مهمة عن حياتها لميشال غوسلار بعنوان "يورسونار، كم كان باهتاً أن نكون سعداء".
***
1993 ـ صدور مخطوطات "قصة زرقاء" و"الليل الأول" و"أذية" ليورسونار عن دار "غاليمار".
***
1999 ـ صدور "ينابيع II" ليورسونار عن دار "غاليمار".
2003 ـ الاحتفال بالذكرى
2003 ـ تحتفل فرنسا بمئوية ولادة يورسونار الأولى ببرنامج ضخم من ضمنه:
ـ معرض الرسام الصيني باي زنغ يانغ في لوحات تمثل "كيف تم إنقاذ وانغ فو" وهي قصة ليورسونار صدرت عام 1938 في متحف بونوار دوبوي في باييول، ويستمر إلى 31 آب.
ـ انطلاق سنة يورسونار في مدرسة "كوليج يورسونار دو مارشيان"، في مؤتمرات: "يورسونار والطفولة"، "على أثر يورسونار"، و"طريق زهور الزنبق"، و"يورسونار وطبيعة القمة ـ السوداء".
كما يقام مهرجان في السابع والثامن من حزيران (تاريخ ميلادها) في القمة السوداء: صالون الكتاب، قراءات، عروض، محاضرات...
ـ معرض نقوش لفريدريك دوران عن "نتاج بالأسود" ومعرض للياباني زانغ يانغ عن كتابها "قصص شرقية" وغيرها من النشاطات الموسيقية والفنية.