في عام 1990 أنشأت وزارة الثقافة الكولومبية منظومة من مكتبات متنقلة، توصل الكتب إلى أبعد ركن في البلاد. وبالرغم من أن مكتبة الحافلات كانت في الخدمة منذ عام 1982 في الأقاليم المحيطة ببوغوتا، رأت الحكومة أن من المهم الوصول أيضاً إلى سكان المناطق القروية البعيدة. لهذا الهدف، تم صنع أوعية كبيرة للحمل مع جرابات واسعة يمكن أن تطوى بسهولة في طرود ملائمة لنقل الكتب على ظهور الحمير، والذهاب بها إلى الغابات والجبال المثلمة القمم. وهناك تترك الكتب لعدة أسابيع بين يدي المعلم أو شيخ القرية الذي يصبح، دي فاكتو، أمين المكتبة المسؤول. تنشر محتويات الأكياس وتعلق على عمود أو شجرة، ليتاح للسكان المحليين أن يتصفحوا الكتب ويختاروا منها ما يرغبون. أحياناً يقوم أمين المكتبة بالقراءة بصوت عال لهؤلاء الذين لم يتعلموا القراءة بأنفسهم، وأحياناً يقرأ للآخرين فرد من العائلة كان دخل المدرسة. ((بهذه الطريقة)) يقول واحد من القرويين في مقابلة معه، ((بوسعنا أن نعرف ما كنا لا نعرفه وننقله إلى الآخرين)). بعد فترة معينة، ترسل دفعة جديدة لتحل محل المجموعة السابقة. أكثر مواضيع الكتب عن أعمال التقنية، كتيبات زراعية، وكراسات عن تصفية المياه، ومجموعة عن نماذج ماكنات الخياطة ودليل الأطباء البيطريين. لكن قلة منها هي روايات وكتب أدبية. حسب واحدة من أمناء المكتبات، كان عدد الكتب دائماً محسوباً. ((أنا أعرف حالة واحدة فقط لا يعاد فيها الكتاب))، روت لي، (( كان لدينا برفقة عناوين عملية مألوفة، ترجمة اسبانية للإلياذة. عندما يحين وقت استبدالها، يرفض القرويون إعادتها، فنقرر أن نعتبرها هدية لهم، لكننا نسألهم عن سبب احتفاظهم بهذا الكتاب بوجه خاص، فيجيبون بأن قصة هوميروس تعكس بالضبط قصة حياتهم: فهي تحكي عن بلاد مزقتها الحروب، وفيها تقرر الآلهة الغاضبة مصير البشر الذين لا يعرفون أبداً السبب الذي دعاهم للتقاتل، أو متى سيقتلون)).

