أهم النقاط في كتاب “شخصيات قلقة في الإسلام”
أضيف بواسطة:
A-Ile Self-hallucination
,
منذ ٣ أعوام
الوقت المقدر لقراءة التدوينة: 3 د

يمثّل كتاب شخصيات قلقة في الإسلام الذي أصدره المفكر والباحث والمترجم المصري عبد الرحمن بدوي في عام 1946، نقطة ارتكاز مهمة لكثير من البحوث اللاحقة التي أنتجها مفكرو الدين الإسلامي المعاصرين والباحثين المهتمين بجوانب معينة من هذا التاريخ، والتي تأخذ مضمار البورتريه التاريخي، وتكمن أهمية هذا الكتاب بكثير من النقاط، وسنتحدث عن أهمها لما تحتويه من اندماج لأفكار محورية في السرد التحليلي من وجهة نظر بدوي وما اتبعه مُترجَماً من رؤى الاستشراق البحثي في بعض الوجوه البارزة في ذلك التاريخ الإسلامي بطريقة حيادية:
- النقطة الأولى: هي أنّ الكتاب يتناول ثلاث شخصيات في التاريخ الإسلامي كان لها أكبر الأثر الثقافي والفلسفي والسياسي، وهي سلمان الفارسي، أبو منصور الحلاج، وشهاب الدين السهروردي، حيث يجمعها بعض النقاط، وهي أنها جميعاً من أصول فارسية، وعرفت مصائر سياسية قاسية انتهت بالقتل، وجميعها كانت تمثّل اتجاهات قوية في التفلسف الروحي، وجوانب من التصوّف الإسلامي و روحانيتها الفردية التي أسست لاحقاً لمذاهب تابعة في طروحاتهم الثقافية والفلسفية.
- النقطة الثانية: هي أنّ الكتاب هو في الأصل عبارة عن مقالات قام بدوي بترجمتها عن الفرنسية، ثم ألّف بينهما وربط بطريقة ذكية ولافتة للانتباه جعلت الكتاب يلتصق باسم بدوي حتى اليوم؛ والمقالات الثلاث هي عن المستشرق هنري كوربان بعنوان “السهروردي المقتول مؤسس المذهب الإشراقي”، ومقالان عن المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون المعروف ببحوثه العميقة حول الحلاج بعنوان “المنحنى الشخصي لحياة الحلاج في الإسلام” وبحث آخر حول سلمان الفارسي، الذي قام بدوي بإعادة صياغته وإضافة آراء في السردية البحثة. ثم قام بدوي بترجمة وإضافة رسالة السهروردي “أصوات أجنحة جبرائيل” إلى الكتاب.
- النقطة الثالثة: هي قيمة سلمان الفارسي تاريخياً وتأثيره العميق في نشأة التشيّع منذ البدايات وقبل كل الخلافات السياسية الدينية اللاحقة في الإسلام، وهو ما تناوله بدوي ببحث خاص من خلال ماسينيون ودراسته، باعتبار سلمان الفارسي يحمل كل منحنيات الغموض الشخصاني التاريخي بالإضافة أنه من أول ثلاثة سابقين في الإسلام من غير العرب إلى جانب بلال الحبشي وصهيب الرومي.
- النقطة الرابعة: قيمة الكتاب تكمن بالضبط هي في الشخصيات الثلاثة التي عُرِفت بخروجها عن المألوف والسائد تاريخياً وحتى معاصراً من خلال تجاوز الواقع السياسي التاريخي للإسلام في طروحات أكثر قابلية للنظر في المعنى الروحي وعلاقة الفرد مع الله دون وسيط أرضي، وهو ما أنشأ حالة من التخوّف للسلطة الدينية التاريخية التي سببت في مقتل تلك الشخوص ومحاولة طمس أثرهم.
- النقطة الخامسة: هي أنّ الكتاب يتجاوز حالة الترجمات السطحية والدراسات الساذجة التي تتناول بطريقة عامة حالات البورتريهات الدينية وتأثيراتها كما يتم ترويجها لدى المؤلفات العامة المُرضى عليها من الجهات الداعمة لقوانين الدراسات التاريخية. ما قام به بدوي هو إعادة تفسير المنحنيات الفكرية من خلال الدراسات النفسية والاجتماعية لتلك الشخوص وليس تناول طروحاتهم الفلسفية والفكرية بشكل خاص، إنما تجاربهم الاجتماعية.
- النقطة السادسة: منطقية الكتاب ومحاولة إنشاء ثقافة عقلانية في تناول المواضيع الإشكالية في التاريخ الديني، وخاصة في الفصل الأخير حيث طرح بدوي قضية المبادلة بين النبي ويهود نجران من وجهة نظر السنّة والشيعة والدروز والسليمانية كمذاهب باطنية، على الرغم لا يمكن الوصول إلى نتيجة لكنها تطرح مجموعة آراء تؤجج التفكير في مفصل تاريخي للإسلام.
- النقطة السابعة: قد يبدو الكتاب متخصص في المجال الأكاديمي، لما يحمله من سرد قوي ومُرهِق بشكل عام، لكنه محصلة تكثيفية لبحث مفصلي في عناصر التأثير الواقعي داخل التاريخ، لذا فهو رغم ما يظهر على أنه مخصص لدراسات أكاديمية لكنه مفيد في مستوى التحفيز البحثي للقارئ العادي وفهم أنّ ما ندركه في معيار البحوث الدينية ليس ما هو ثابت لدينا معرفياً إنما قراءة الجانب الشخصي اجتماعياً ونفسياً لما تحمله من قيم ثقافية.
- النقطة الثامنة: جانب مهم من الكتاب ودور بدوي في الربط بين المقالات واختيارها، يكمن في تناول الجوانب القبليّة للتاريخ العربي وطريقة نشوء المذاهب الفلسفية الباطنية من خلال العلاقات الشخصية بين السلطات السياسية التاريخية، والأحلاف بين النظم القبليّة والتأسيس السياسي كنشوء دولة حديثة وصعودها وانحلالها، وحالة المركزية والتقاسم الاقتصادي والمصالح المتبادلة؛ الكتاب يتناول جوانب أكثر مما يبدو عليه الطرح العام كبورتريهات إنما إعادة تفسير السلوكيات والطروحات في ضوء المنهج النقدي اجتماعياً للتاريخ الديني.
يمكن القول أنّ هذه هي أهم النقاط التي تناولها الكتاب كأشياء محورية تحدد منهجية البحث النقدي والتي ساهمت في وضع أسس لكل نقد وبحث فلسفي لاحق حول التاريخ الديني الإسلامي والعربي والسياسي والاجتماعي لدى مفكري العرب المعاصرين الذين أتوا بعد بدوي بسنوات واتخذوا منهجه في مثل هكذا دراسات، فمساهمة بدوي تجاوزت أي حالة من البحث السطحي، وهنا تكمن أهمية وعمق هذا الكتاب، إنه التأسيس للبحث التاريخي بشكل نقدي وعقلاني.